سورة النحل - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}
يذكر تعالى نعمه على عبيده، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم وزيهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر لما حصل ائتلاف ومودة ورحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثا، وجعل الإناث أزواجا للذكور.
ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة، وهم أولاد البنين. قاله ابن عباس، وعكرمة، والحسن، والضحاك، وابن زيد.
قال شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} هم الولد وولد الولد.
وقال سُنَيْد: حدثنا حجاج عن أبي بكر، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك. قال جميل:
حفَد الولائد حَوْلهُن وأسلمت *** بِأكُفِّهن أزِمَّةَ الأجْمَال
وقال مجاهد: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} ابنه وخادمه.
وقال في رواية: الحفدة: الأنصار والأعوان والخدام.
وقال طاوس: الحفدة: الخدم وكذا قال قتادة، وأبو مالك، والحسن البصري.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا مَعْمَر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة أنه قال: الحفدة: مَنْ خَدَمَك من ولدك وولد ولدك.
قال الضحاك: إنما كانت العرب يخدمها بنوها.
وقال العوفي، عن ابن عباس قوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} يقول: بنو امرأة الرجل، ليسوا منه. ويقال: الحفدة: الرجل يعمل بين يدي الرجل، يقال: فلان يحفد لنا قال: ويزعم رجال أن الحفدة أخْتَان الرجل.
وهذا القول الأخير الذي ذكره ابن عباس قاله ابن مسعود، ومسروق، وأبو الضُّحى، وإبراهيم النَّخَعيّ، وسعيد بن جُبَيْر، ومجاهد، والقُرَظي.
ورواه عكرمة، عن ابن عباس.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هم الأصهار.
قال ابن جرير: وهذه الأقوال كلها داخلة في معنى: الحَفْد وهو الخدمة، الذي منه قوله في القنوت: «وإليك نسعى ونحفد»، ولما كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم فالنعمة حاصلة بهذا كله؛ ولهذا قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}
قلت: فمن جعل {وَحَفَدَةً} متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد، وأولاد الأولاد، والأصها ر؛ لأنهم أزواج البنات، وأولاد الزوجة، وكما قال الشعبي والضحاك، فإنهم غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجْره وفي خدمته. وقد يكون هذا هو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام في حديث بَصرة بن أكثم: «والولد عبد لك». رواه أبو داود.
وأما من جعل الحَفَدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي: وجعل لكم الأزواج والأولاد.
{وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} من المطاعم والمشارب.
ثم قال تعالى منكرا على من أشرك في عبادة المنعم غيره: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} وهم: الأصنام والأنداد، {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} أي: يسترون نعم الله عليهم ويضيفونها إلى غيره.
وفي الحديث الصحيح: «إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه: ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتَرْبع؟».


{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74)}
يقول تعالى إخبارا عن المشركين الذين عبدوا معه غيره، مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده لا شريك له، ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان {مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئًا} أي: لا يقدر على إنزال مطر ولا إنبات زرع ولا شجر، ولا يملكون ذلك، أي: ليس لهم ذلك ولا يقدرون عليه لو أرادوه، ولهذا قال تعالى {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ} أي: لا تجعلوا له أندادًا وأشباها وأمثالا {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} أي: أنه يعلم ويشهد أنه لا إله إلا الله وأنتم بجهلكم تشركون به غيره.


{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75)}
قال العوفي، عن ابن عباس: هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن: وكذا قال قتادة، واختاره ابن جرير.
والعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء مثل الكافر والمرزوق الرزق الحسن، فهو ينفق منه سرا وجهرا، هو المؤمن.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: هو مثل مضروب للوثن وللحق تعالى، فهل يستوي هذا وهذا؟
ولما كان الفرق ما بينهما بينا واضحا ظاهرًا لا يجهله إلا كل غبي، قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ثم قال الله تعالى:

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14